الجمعة, أغسطس 8, 2025
بث ...تجريبي
الرئيسيةمنوعاتسعاد حسني.. سندريلا الشاشة العربية التي لم ترحل من الذاكرة

سعاد حسني.. سندريلا الشاشة العربية التي لم ترحل من الذاكرة

تمر اليوم ذكرى وفاة الفنانة الكبيرة سعاد حسني، إحدى أيقونات الفن المصري والعربي، التي رحلت عن عالمنا في 21 يونيو 2001، تاركة وراءها إرثًا فنيًا نادرًا، وحضورًا لا يبهت، ووجعًا في القلوب لم يندمل. ولدت سعاد محمد كمال حسني البابا في 26 يناير 1943 بحي بولاق بالقاهرة، وسط عائلة فنية، فوالدها كان خطاطًا شهيرًا، وشقيقتها المطربة نجاة الصغيرة. وبرغم بساطة النشأة، إلا أن موهبتها الاستثنائية قادتها سريعًا نحو قمة النجومية، لتصبح السندريلا التي لا تتكرر. حياتها الفنية بدأت سعاد حسني مشوارها الفني وهي طفلة صغيرة في برنامج "بابا شارو" الإذاعي، قبل أن تظهر لأول مرة على شاشة السينما عام 1959 من خلال فيلم "حسن ونعيمة"، وهو الدور الذي قدمها للجمهور كوجه جديد يفيض بالعذوبة والعفوية، لتتوالى بعدها أعمالها وتتحول إلى واحدة من نجمات الصف الأول خلال فترة الستينات والسبعينات، حيث استطاعت أن تجمع بين جمال الشكل وعمق الأداء، وأن تتنقل بين الأدوار الدرامية والكوميدية والغنائية والاستعراضية بمرونة نادرة. قدمت سعاد أكثر من 80 فيلمًا خلال مشوارها الفني، تعاونت خلالها مع كبار المخرجين مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحسن الإمام وعلي بدرخان، الذي تزوجته لاحقًا. ومن أبرز أعمالها التي لا تُنسى "صغيرة على الحب"، "الزوجة الثانية"، "خلي بالك من زوزو"، "أين عقلي"، "الكرنك"، "الراعي والنساء"، و"شفيقة ومتولي"، وغيرها من الأفلام التي شكلت جزءًا من الذاكرة الجمعية لجمهور الفن العربي. تميزت سعاد حسني بقدرتها الفريدة على تجسيد شخصية المرأة المصرية بكل تنوعاتها، فكانت البنت الشعبية المرحة، والزوجة الريفية المكافحة، والفتاة الجامعية المتمردة، والأم الحنونة، والإنسانة المقهورة، وكل دور قدمته حمل بصمتها الخاصة، حتى أن النقاد كثيرًا ما اعتبروها مدرسة تمثيلية قائمة بذاتها، قادرة على الجمع بين الأداء التلقائي والتقمص الكامل للشخصية. لم تكن سعاد حسني ممثلة فقط، بل كانت صوتًا غنائيًا محببًا للقلوب، حيث قدمت العديد من الأغنيات الخفيفة والبريئة التي أحبها الجمهور، منها "بمبي"، "يا واد يا تقيل"، "الدنيا ربيع"، و"الحب اللي كان". وقد أضفت على تلك الأغنيات نكهة مميزة بخفة ظلها وتعبيراتها الطفولية التي لم تفارق ملامحها طوال حياتها. حياتها الشخصية على الجانب الشخصي، عاشت سعاد حياة مليئة بالتقلبات، جمعت بين النجاح الفني والاضطرابات العاطفية والصحية، وشغلت حياتها الخاصة الصحافة والجمهور، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها وزيجاتها، التي كان أبرزها زواجها من المخرج علي بدرخان، وعلاقتها المزعومة بالشاعر صلاح جاهين، الذي لعب دورًا كبيرًا في حياتها الفنية والإنسانية، واعتبرته بمثابة الأب الروحي لها. في السنوات الأخيرة من حياتها، ابتعدت سعاد عن الساحة الفنية بسبب مشاكل صحية ونفسية معقدة، وسافرت إلى لندن للعلاج، قبل أن تتلقى الأوساط الفنية والشعبية صدمة قوية في 21 يونيو 2001 حينما أُعلن عن وفاتها في ظروف غامضة، بعد سقوطها من شرفة منزلها بلندن. ورغم مرور أكثر من عقدين على رحيلها، لا تزال أسباب وفاتها الحقيقية محل جدل وتكهنات، إذ رفض الكثيرون تصديق فرضية انتحارها، مؤكدين أنها كانت تخطط للعودة إلى مصر واستئناف مشوارها الفني. وفاتها أقيمت جنازة مهيبة للفنانة الراحلة بمشاركة الآلاف من محبيها وزملائها في الوسط الفني، وامتلأت صفحات الجرائد والمجلات بنعيها، ووصفها البعض بأنها "مأساة بحجم الوطن"، لما كانت تمثله من حالة فنية وإنسانية فريدة. ورغم صمتها الأبدي، لم تغب سعاد عن الذاكرة، بل بقيت أفلامها تعرض باستمرار، تتوارثها الأجيال، وتستلهم منها فتيات كثيرات ملامح الحلم والطموح. اليوم، ونحن نحيي ذكراها، لا نتحدث فقط عن ممثلة موهوبة رحلت، بل عن رمز نسائي ملهم، استطاع أن ينتزع لنفسه مكانة خالدة وسط جيل من العمالقة. سعاد حسني لم تكن فقط "زوزو" التي أحبها الجميع، بل كانت صورة الوطن الحالم، والوجه الذي اختصر جيلًا كاملًا من الجمال والثقافة والفن. رحلت سعاد جسدًا، لكنها ما زالت حيّة في الوجدان، بصوتها وضحكتها ودموعها، وفي كل مشهد أحببناه، وفي كل ذكرى تمر، تؤكد لنا أن بعض النجوم لا تنطفئ، بل تتحول إلى أيقونات خالدة، تسكن الذاكرة وتضيء المستقبل
كتب بقلم
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

احدث التعليقات

الأكثر قراءة