ماذا تعنى ثورة 30 يونيو للشعب المصري ؟
في مثل هذا اليوم من عام 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين في مشهد استثنائي من مشاهد التاريخ الحديث، ليكتبوا صفحة جديدة من صفحات الإرادة الشعبية.. وتمر اليوم الذكرى السنوية لثورة 30 يونيو، التي لم تكن مجرد احتجاج أو حركة سياسية عابرة، بل كانت لحظة فاصلة أعادت تشكيل الواقع المصري، وعبّرت عن روح شعبٍ قرر أن يستعيد دولته وهويته من براثن التوظيف الديني والسلطوي للسلطة.
فما الذي تعنيه ثورة 30 يونيو اليوم، بعد مرور أكثر من عقد على اندلاعها؟ ما دلالتها السياسية والشعبية، وكيف أعادت رسم ملامح الدولة المصرية الحديثة؟
إرادة الشعب فوق كل اعتبار
أول ما تُجسده ثورة 30 يونيو هو تأكيد مبدأ جوهري في الحياة السياسية، الشعب هو مصدر السلطة، فحين شعر المصريون أن الدولة تنحرف عن مسارها، وأن الحكم يُستخدم لخدمة جماعة على حساب الوطن، انتفضوا في مشهد موحّد، مطالبين بالتغيير.. لم تكن الثورة مجرد رفض لحكم جماعة الإخوان المسلمين، بل كانت تعبيرًا عن تمسك الشعب بهوية الدولة الوطنية، ورفضه لاحتكار الحقيقة أو تديين السياسة.
في 30 يونيو، قال المصريون كلمتهم بوضوح: لا مكان لحكم يُقصي الآخر، ولا لدولة تُدار بمنطق التنظيم السري، أو تخضع لأجندات خارجية، كانت الثورة تصحيحًا لمسار ثورة 25 يناير، واستكمالًا لأهدافها في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تضمن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
دور الجيش في حماية الوطن
من أبرز معاني 30 يونيو كذلك، ذلك التلاحم بين الشعب والجيش، حين خرج الملايين إلى الشوارع، كانت أعينهم تتجه إلى القوات المسلحة باعتبارها الدرع الذي يحمي الوطن، لا طرفًا سياسيًا، وجاء تدخل الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، ليعبّر عن انحيازه للإرادة الشعبية، لا عن طموح سلطوي.
إعلان خارطة الطريق في 3 يوليو 2013 لم يكن انقلابًا على الديمقراطية، بل إنقاذًا لها، حين اختطفتها جماعة تحالفت مع جماعات متطرفة، وأقصت المعارضة، وعجزت عن إدارة الدولة. و تدخل الجيش جاء لمنع حرب أهلية كانت تلوح في الأفق، وللحفاظ على استقرار دولة بحجم مصر، في منطقة تتخبطها الصراعات.
تصحيح المسار وبناء الدولة
أثمرت ثورة 30 يونيو خارطة طريق واضحة، بدأت بتعديل الدستور، ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، واستعادة مؤسسات الدولة لدورها.. ومنذ ذلك الوقت، دخلت مصر مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي، رغم التحديات التي واجهت البلاد داخليًا وخارجيًا.
وقد أطلقت الدولة منذ الثورة عشرات المشروعات القومية في البنية التحتية، والإسكان، والتعليم، والطاقة، واستعادت دورها الإقليمي والدولي، سواء في محيطها العربي أو في علاقتها بالشركاء الدوليين.
اليوم، حين ننظر إلى ما تحقق منذ 30 يونيو، ندرك أن الثورة لم تكن فقط لحظة غضب، بل بداية مشروع وطني كبير، لإعادة بناء الدولة المصرية على أسس جديدة، تحترم القانون، وتضمن الأمن، وتفتح المجال للتنمية.
30 يونيو في الوعي الجمعي
في الوعي المصري، لم تعد ثورة 30 يونيو مجرد ذكرى سنوية، بل رمزًا لقدرة هذا الشعب على تصحيح المسار متى شعر بالخطر، إنها تعني أن مصر لا تُدار بالإملاءات، وأن هويتها الوطنية والدينية والثقافية ليست محل مساومة.
كما ترسّخت فكرة أن الديمقراطية لا تعني فقط انتخابات، بل احترام الدستور، والتعددية، والحريات، والعدالة الاجتماعية.
في ذكرى ثورة 30 يونيو، نستعيد مشهدًا من أعظم مشاهد الوحدة الوطنية، حين تجاوز المصريون انقساماتهم، ووضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. تعني هذه الثورة اليوم الكثير: إنها تعني السيادة، والوعي، والإصرار على بناء مستقبل يليق بمصر وشعبها.
30 يونيو لم تكن النهاية، بل كانت البداية لمسار طويل من الكفاح من أجل دولة مدنية حديثة، قوية وآمنة. وما زالت التحديات قائمة، لكن الإيمان بقوة الشعب وإرادته، وبقدرة الدولة على النهوض، هو ما يُبقي جذوة الثورة مشتعلة في القلوب.
كتب بقلم